
وانتقلت هذه الثقافة إلى الشعب الأردني فترى منهم حمية الجاهلية في الانتخابات فيقولون : خاوة ، حريقة ، نار ، وتراهم في السياسة والحوار حتى تحت القبة لغة الحوار : الطلقة في بيت النار ، المسدس على جنبه ، قاعد على الدقرة ، وترى التناحة في بعض الواقف على رأي المثل الشعبي " عنزه ولو طارت " مع أن السياسة فن الممكن لكن بعض الناس ليس لديه أي استعداد لتغيير سياسته حتى التي ثبت فشلها ، وما زال يفكر بطريقة المناطحة ولو بقرون من طين ، ولو كان ذلك على العدو فهو أمر محمود لكننا عكسنا الأمر فنتعامل معه على قاعدة المهادنة ، "وأسد عليً وفي الهيجاء نعامة " " وأنا ما جربت نفسي في الهيجاء " .
أما في الاقتصاد " التجارة بدها شطارة بمعنى: أنها عند تعني تتطلب نوعا من المغامرة وإظهار قوة القلب فيها فيقولون : مدبر حاله ، فهلوي ، بطلع لقمته من فم الأسد ، وفي العلاقات الاجتماعية فالوصية عند الزواج للزوج " أقطع رأس القط من أول ليلة " والوصية للزوجة " وريه العين الحمراء ، لا تكوني هبله ، أمسحي صاعه ،وفي العلاقات الاجتماعية يقولون " أدعس عليه " المحترم ما له خبز، وخللك تنح ، وخللك رجل فمن الرجولة في مورثنا الأردني إظهار الخشونة في التعامل مع الآخرين .
ولم يقف الأمر عند هذا من ثقافة العنف بل مفردات حياتنا مليئة بكل ما يدل على هذا المنطق ابتدآ بالطعام فمن أشهر الوجبات عند الأردنيين " المنسف" ويحتاج إلى شراب المريسة و" المقلوبة " " والكبسة " " والمجدرة " وبعد الطعام تأتي الحلوى من الهريسة وأسمها من الهرس والدرس والطحن والعجن ، وفي شرابنا الليمون، وفي وصفاتنا الشعبية كل ما هو مشتق من المر والعلقم ، فالقيسوم في غاية المرارة ، والشيح ، والجعده ، والميرميه ، والمليسة ، وفي نباتنا في الربيع المرار ، والعكوب .
ولو أردنا أن نستقصي ثقافتنا العنًفية في مختلف جوانب حياتنا لرأينا كماً هائلاُ من الوصايا والتوجيهات التي تصدر من المجتمع التي تحث على القسوة والخشونة بشكل مباشر أو غير مباشر ، ومما يؤسف له أن هذه الثقافة بتناقلها الناس عبر المجالس التي أخذت دور المدارس دون غربلة لها ، أو دون عملية توجيه سليم لكيفية انتقاء العبارات أو الكلمات ، وكان الأولى في مجلسنا أن نغرس مكانها ثقافة التسامح ، المحبة ، اللطف مع بعضنا ، المودة ، لين الجانب ، تقبل الآخر ، خفض الجناح ، التواضع ، حسن المعاشرة ، سماحة الطبع .
وكل ما سبق يجعلني أطلق هذه الدعوة إلى مراجعة مورثنا بطريقة عملية ، وأن نتدارك ما يمكن تدركه من قيم المحبة والتسامح ، وأن نرفض المثل القائل " كشر عن نابك كل الناس تهابك " .
.....................................................................................................................
د . رياض خليف الشديفات / / المفرق
شاهد المزيد