آخر الأخبار

الاثنين، 9 مايو 2016

د.رياض شديفات يكتب : الحقيقة المرة في حياتنا

من أكبر الأخطاء التي نرتكبها بحق أنفسنا أن نتجاهل الحقيقة المرة التي نعيشها في حياتنا اليومية المعاصرة حيث العناد والمكابرة على مستوى الفرد والجماعة ، وعلى مستوى النظم السائدة ، وعلى مستوى الفرق بين الواقع والخيال ، وعلى مستوى الفجوة بين النظرية والتطبيق ، وبين الإنجاز والواقع ، فالحقيقة الثابتة يقيناً فيما يتعلق بواقعنا على مستوى الأمة أننا أصحبنا نعيش على هامش الحياة ، فنحن أضعف أمم الأمم على الإطلاق من حيث التأثير والفاعلية في الميزان الدولي ، ومن حيث التأثير في القرارات التي تخص أمتنا وشعوبنا .
ومن الحقيقة المرة التي توجع القلب أننا أقل أمم الأرض إنجازاً وخدمة للبشرية من حيث المنجزات العلمية في سائر أنواع العلم والمعرفة، ومن حيث الإضافات ذات القيمة في الحضارة الإنسانية ، ومن الحقيقة المرة أيضاً أننا أكثر أمم الأرض تخلفاً عن ركب التقدم والحضارة ، والمسافة التي تفصلنا عن الشعوب المتقدمة شاسعة لا يمكن إدراكها بالوسائل التي نتعامل بها في واقعنا المعاش ، فما زلنا نفكر بعقلية القرون الوسطى ، وما زلنا نقيس الأمور بمقاييس العصور الغابرة ، فمناهجنا قاصرة ، ووسائلنا بدائية ما زالت ألف باء الهجاء في بحر المعرفة المتلاطمة المتسارعة .
ومن الحقيقة المرة أننا ندعي الديمقراطية ونحن أبعد الناس عنها ، فما زلنا نفهم الديمقراطية على أنها أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً على مبدأ الجاهلية ، وما زلنا نمارس الديمقراطية على أساس العصبية القبلية ، وما زال قانون الانتخاب في البرلمانات والمجالس المحلية واختيار ممثلي الشعب يمارس بطريقة عفا عليها الزمن من حيث من يحق له الترشيح ـ أن يجيد القراءة والكتابةـ في عصر الحاسوب والانترنت والفضائيات ومواقع التواصل ، ومن الحقيقة المرة المؤلمة أن يتم الاعتداء على هذه الحقوق بطرق شتى بالمال السياسي مرة ، وبالتضليل والخداع مرة أخرى ، وباسم الدين حيناً ، والشعب حيناً أخر ، وتحت شعار الوطنية أحيانا أخرى، ونقول أننا ديمقراطيون وعندنا حق الانتخاب ، وحق اختيار ممثلينا . 
ومن الحقيقة المرة قولنا باحترام حقوق الإنسان ونحن أبعد ما نكون منها ، وندعي احترام الرأي والرأي الأخر مع ممارستنا أسوأ أنواع مصادرة الرأي وحرية التعبير على مستوى الفرد والجماعة ، فالرأي المعارض يصادر ويكبت ، ولا يسمح له بحال من الأحوال .
ومن الحقيقة المرة القول بأننا أصحاب قيم ورسالة مع ما في حياتنا من كل صور الانتهازية والخداع والتضليل ، وما فيها من الكذب والنفاق ، وما فيها من حب الذات والأنا بصورة لا ترتقي إليها النفعيات المعاصرة التي تعلن ذلك صراحة . 
ومن الحقيقة المرة في مجال أبسط مظاهر الرقي والتحضر مجال النظافة ، فنظرة واحدة إلى شوارع مدننا تجعلك تدرك مقدار الفجوة بين النظرية والتطبيق ، وبين الواقع والمثال ، وبين الشعارات المرفوعة والممارسات على أرض الواقع لتدرك الحقيقة بطعم العلقم في حلق من يبحث عنها . 
د. رياض شديفات/ المفرق
شاهد المزيد
التعليقات