رغم إيماني بأنه لا يجوز و لا يصح وصف أمة بأكملها بصفة أو سمة .. إلا أنه بالوقت نفسه ، هناك دراسات اجتماعية - سبق بها ابن خلدون ، استنتجت سمات و خصائص شعب معين . و هنا لا أريد أن استعرض دراسات اكاديمية ، و سأكتفي بالتجربة و الملاحظة ، و ما يسندها من مطالعات .
الانسان العربي مرتبط مزاجا و تربية بالصحراء ، حيث كانت مصدر الهجرات . و قد انطبعت حياة الإنسان العربي بالقساوة و الشدة .. مثلما الشجاعة و الكثير من القيم الجميلة ..
الإنسان العربي ، و شاهدي هذه الأيام ، اتصف بالمبالغة و التطرف في أحكامه و مزاجه و مشاعره . فإذا أحب شيئا أو صديقا او حاكما .. بالغ فيه مدحا و وصفا ، و نظم فيه الأشعار و ألهب القوافي ، و أعمل المارشات و قرع الطبول .. و إذا كره أو خاصم ، تجد أقسى الأحكام و أقذع الأوصاف .. ألسنا الأمة التي جعلت من أدب النقائض بين جرير و الفرزدق أدبا يدرس في المدارس .. و جعلت أدب المديح و الهجاء كذلك .. حتى لأشد الخلفاء و السلاطين " تنبلة " !!
تقرأ تلك الأشعار فيصيبك الغثيان ، و يأتي قول الخليفة : زه .. و يلقي إليه بالصرة ، و كأنما بيت المال بيت ابيه ..
ألستم معي أن جريرا و الفرزدق أصبحوا إعلاميين في محطات و إذاعات ،، و أصبح
و أصبحنا نعيش فنون المدح و الردح و " التوك شو " في عصر جديد للمداحين و حملة المباخر ، و المصفقين الصفيقين !
و أصبحنا ننام و نصحو على وجبات من أخبار المزيفين .. و الملمعين ، و مزيلي الصدأ عن أصحاب الضمائر الميته !!
أبواقنا عافت نفاقنا .. و مجاملاتنا خنقت فينا نبرة الصدق و الجرأة .. هكذا نحن .. نموت إذا عشقنا ، و تقتلنا العيون بسهامها ، و لا تقتلنا الأعداء بنارها .. مات فينا الاعتدال و التعقل ، فصببنا حمم القدح و أغرقنا انفسنا و غيرنا بالمدح ..
كذب في كذب و مجاملات في مجاملات ..
و لم نحبب حبيبا هونا .. و لم نبغض بغيضا هونا .. فخسرنا الإثنين . .
- أحمد المثاني -
شاهد المزيد