
حسنا فعلت الهيئة المستقلة للانتخاب إذ بدأت حملة توعية مبكرة، مؤشراتها الأولية إيجابية. لكن نحن أمام قانون جديد مختلف تماما عن خبرات أكثر من عقدين، ونقصد بذلك خبرات المرشحين والناخبين معا. فالأجيال الحالية التي ستترشح وتنتخب، ترعرعت في ظل قانون "الصوت الواحد" في الأغلب، ومن دون شك فإن الأغلبية الساحقة من المواطنين لم يفهموا بعد نظام القائمة النسبية الذي ستجرى على أساسه الانتخاب المقبلة، بما في ذلك نظام التصويت؛ إذ ما يزال الناس يتساءلون: كيف سنصوت؟ وكيف سيُحدد الفائزون؟ علينا الإقرار أيضا أن مدرسة "الصوت الواحد" غرست، طوال المرحلة السابقة، ثقافة وسلوكا انتخابيين يصعب الانفكاك عنهما بين ليلة وضحاها ومن دون جهود كبيرة. فعلى سبيل المثال، نلاحظ أن بعض العشائر بدأت فعليا، منذ إعلان موعد إجراء الانتخابات، بإجراءاتها الداخلية؛ بتحضير صندوقها الداخلي، من دون الأخذ بعين الاعتبار التحولات الكبيرة التي جاء بها قانون القائمة النسبية، وما يتطلبه من بناء تحالفات وكتل أوسع.
هذا فيما ما تزال مؤسسات المرأة تؤكد أن نصوص القانون لم توضح آلية "الكوتا النسائية" وطريقة احتسابها ضمن القوائم، أو أن المرأة ستترشح بشكل فردي، على اعتبار أن القانون عد مقعدها إضافيا. وهو الأمر الذي ينتظر توضيحات من الهيئة المستقلة، أو ربما إصدار تعليمات واضحة بهذا الخصوص.
في الخبرات غير السارة السابقة التي صاحبت تعديلات قانون "الصوت الواحد"، ضاع المرشحون والناخبون في تفاصيل بعضها لم يُفهم إلى هذا الوقت؛ حدث ذلك فيما سمي "الدوائر الوهمية"، وأيضا في نظامي التصويت والفوز في القائمة الوطنية في الانتخابات الأخيرة.
وهذا يؤكد ضرورة سد فجوة الفهم بالتوعية والتثقيف، وأن لا يضيع الإنجاز الذي تحقق بسن هذا القانون، نتيجة الاستعجال وسوء فهم الناس. وعملية التوعية والتثقيف بقانون الانتخاب وتعليماته والإجراءات الانتخابية، هي مهمة الهيئة المستقلة للانتخاب، لكن ليس "الهيئة" وحدها؛ بل هي أيضا مسؤولية مؤسسات الدولة الأخرى، ووسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات، والمراقبين للانتخابات.
نحن أمام انتخابات مختلفة بقانون مختلف، ومن دون مقاطعة سياسية، ومؤشرات مشاركة ربما أعلى، رغم خيبة الناس من مجالس النواب السابقة. وهذا ما يؤهل الهيئة المستقلة لنقل الخبرة الانتخابية الأردنية خطوات واسعة إلى الأمام، وذلك عبر ثلاثة محركات أساسية: الأول، توفير المزيد من الفهم والتوعية القانونية والإجرائية. والثاني، ضمان المزيد من المشاركة الانتخابية من فئات المجتمع كافة، والثالث، إجراءات وممارسة تثبت النزاهة وتستعيد ثقة الناس بالانتخابات.
(صحيفة الغد)
شاهد المزيد