آخر الأخبار

الأحد، 10 يوليو 2016

د.رياض شديفات يكتب : التربية وبناء الإنسان

يمكن بناء عمارة , أو قصراً , أو مدينة , أو بناء مصنع , أو مجموعة من المصانع خلال فترة وجيزة ، لكن بناء الإنسان وإعداده ليكون إنسانًاً صالحاً منتجاً مؤثراً في محيطه يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً لذلك قال أحد الفلاسفة في ذلك : غزو الإنسان لنفسه هو أعظم غزو يحققه الإنسان في حياته ، وقال أخر : يقدر الإنسان نفسه حسب الأعمال التي يعتقد أنه يستطيع انجازها ، لكن يقدره غيره حسب الأعمال التي ينجزها في الواقع ,لذلك يعد بناء الإنسان هدف نبيل سعت إليه كل الرسالات السماوية ، كما تسعى إليه كل النظم التربوية بحسب الفلسفة التي تنطلق منها وكل على طريقتها .
وبناء الإنسان البناء السليم يجعل منه إنساناً محباً للخير كارهاً للشر ، وشأن بناء الإنسان شأن صعب للغاية قد لا يدركه كثير من الناس ، لكن حقيقة الأمر أن هذه العملية تعني العناية بما في نفسه من القابلية للخير وتحريك كوامن الخير فيه ، فمبدأ الخير والشر منهما تتولد الخطرات والنزعات ، ومن الخير والشر تتولد الإرادة نحو العزائم والهمم , ومن بناء الإنسان أن يدرب على قهر هواه ومغالبة شهوات نفسه ، وهذا ما لم تفعله النظم التربوية المعاصرة التي عجزت عن تنمية هذا البعد فيه ، فركزت على الجوانب الأخرى لشخصية الفرد مثل الجانب المعرفي, أو الجانب المهاري الجسدي ، وهذا الجانب أولته التربية الإيمانية الاهتمام المناسب ، فرفعت من همة الإنسان نحو مغالبة هوى النفس ، وجعلته يقاوم العجز والكسل الذي يقود إلى الحسرة والندامة .
وسعادة الإنسان لا تكمن في الماديات فقط وتحقيق الكماليات ، وانما تكمن في العناية بكل جوانب شخصية الإنسان , وقد رأينا كم جلبت الحضارة الغربية للإنسان المعاصر من مظاهر الراحة والرفاهية لكن عجزت عن توفير الراحة النفسية التي هي من أهم مطالب الإنسان .
وقد عبر العديد من الكتّاب الغربيين عن ذلك يقولهم : هذه المظاهر تمثل قشور الحضارة ، وقشور الحضارة لا تستطيع أن تجلب للإنسان سوى الشقاء . ولا شك أن عملية بناء الإنسان ترفع من قدره وتبصره بعيوب نفسه لتقوده إلى حالة النفس المطمئنة التي بها حياة الجسد والروح معاً ، وشتان بين من يعيش هذه الحالة وبين من يعيش حالة اللهث وراء الأماني الكاذبة والخادعة ، وهذا يفسر سر عجز النظم المعاصر عن بناء الإنسان وفق منظومة القيم التي تجلب له راحة البال والضمير والنفس ، فكم من إنسان عبر عن كيفية ضياع عمره بين الأماني والأمنيات والنوم والشهوة دون سعادة أدركها تنبع من داخله ، فليس أشق على هذه النفس من العمل وترك الهوى ، بينما النفس الأخرى أشق شيء عليها ترك العمل واتباع الهوى ، فشتان بين الطريقين ، وشتان ما بين النفسين ، وشتان ما بين إرادتيهما ، فالباطل مع النفس الإمارة ، والحق مع النفس المطمئنة ، والعاقبة للمتقين .
ومن أجل ما سبق كانت عملية البناء للإنسان عملية شاقة ، وعملية الهدم عملية سهلة ، البناء صبر وثبات ومجاهدة ، والهدم غرور وأماني وخداع وكذب وسراب لا حقيقة له ، فطريق بناء الإنسان هو الطريق الأصعب من بين جميع الطرق التي يسلكها الإنسان ، ومن أصعب المهمات أن يتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان في ظل غياب وضوح ما في نفسه ، فالقلوب كالقدور تغلي بما فيها ، وألسنتها مغارفها ، فتخرج مما فيها من الحلو والحامض ، ومن العذب والأجاج ، فالتوفيق كل التوفيق في بناء النفس ، والخذلان كل الخذلان ترك الحبل لها على الغارب ، فكم هي مهمة عسيرة وشاقة عملية بناء الإنسان !! . 
د . رياض خليف الشديفات / المفرق
شاهد المزيد
التعليقات