
وقد خطر ببالي أن أكتب هذه الخاطرة عن الكتابة عندما سمعت بعض الشباب يقولون : لا تكتب لأن ما يكتب لا يقرأ ، فتعجبت في نفسي وقلت كيف يكون هذا المنطق ونحن في عصر ثورة المعرفة؟ وفي عصر سرعة الحصول على المعرفة وتضاعفها مرات ومرات خلال كل عدة سنوات ، لكن هذا المنطق ليس بغريب عن واقع حال شبابنا الذين تشير الدراسات أن علاقتهم بالقراءة والكتابة تكاد تكون محدودة للغاية حتى أنها قد لاتصل إلى دقائق معدودة في اليوم ، وهذا يفسر سر تراجع أمتنا في مجال الإنتاج المعرفي على الصعيد العالمي ، وربما أخال بعض أبناء قومي قد جعلوا بينهم وبين القراءة والكتابة سدًا يصعب تجاوزه .
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة أن المعرفة الإنسانية تراكمية نتيجة ثمرات القلم والكتابة التي تركت وتترك أثراً وإرثاً تتزاحم البشرية على الإفادة منه ، وهو في نظر من يعرف قيمته يمثل كنزاً من كنوز المعرفة الإنسانية في مجالاتها المتعددة ، وقد كتبت المستشرقة الألمانية " زيغريد هونكه " كتابها الرائع بعنوان " شمس العرب تسطع على الغرب " التي تحدثت فيه عن حبها للعرب ، ودور الكتابة العربية في الحضارة الغربية في فروع المعرفة المختلفة ، وهذا المثال يظهر ثمرات القلم في تخليد الأمم والشعوب ، وفي رفعة شأنها وتقدمها ، وبغير طريق الكلمة والكتابة لا يستقيم حال الإنسانية .
ومع الحاجة إلى الكتابة في فروع المعرفة المختلفة إلا أنه يلاحظ أن بعض الكتابات التي تكتب هنا وهناك لا تتناول الدعوة إلى صلاح المجتمع ، ولا تحمل مضموناً ثقافياً أو علمياً أو تربوياً أو حضارياً يتوافق مع الثوابت المتفق عليها لدى قادة الفكر والرأي من النخبة التي تتحمل مسؤولية توجيه المجتمع العربي نحو أهدافه العليا ،ومن المفيد هنا إلى أهمية توظيف الكتابة في بناء الإنسان وفق منظومة القيم ، وفق القواعد العامة التي تهدف إلى بناء المجتمعات ، ومن المناسب الإشارة إلى أهمية التوعية بقيمة الكتابة الهادفة ، وقيمة تنمية مهارة الكتابة بما يعزز الإبداع الفكري ليبقى مداد القلم السراج الذي يضيء درب الحياة في زمن الفضاء المفتوح والإعلام الذي يتجاوز كل الحدود .
د . رياض خليف الشديفات / المفرق /
شاهد المزيد