
ومن الأمثلة على عدم حفظ ماء الوجه للأفراد ذل سؤال الناس عبر المسألة التي فيها ذلة لهم ، أو الظهور من قبل النساء بهيئة غير محتشمة في الأماكن العامة أو المناسبات العامة مما ينتقص من ماء الوجه ، أو كظهور العِالم أو الكبير في السن أو الوجيه لدى بني قومه بصورة مخلة بمروءته وكرامته .
وقد درج الناس في الثقافة العربية الإسلامية على حفظ ماء وجههم من كل ما يريقه أو ينال من مروءتهم التي تعد من أعز ما يحرصون عليه ، ولا مجال للتفريط بها تحت أي ظرف كان ، ومما توارثه الناس في ثقافتهم أن الكذب من خوارم المروءة ، وكذلك الخيانة وضعف الأمانة ، والتفريط بالعفة والشرف والسمعة التي لا يعدلها شيء ، ومنها أن مقابلة الإحسان بالإحسان مروءة ، ومقابلة الجميل بالنكران خسة ، فحفظ الجميل والمعروف من صفات كرام الناس .
من أجل هذا كنا نجد حرص العربي على الدفاع عما يحفظ ماء وجه بدفاعه عن دينه ووطنه وشرفه ومبادئه التي تشكل كرامته التي بها حفظ ماء وجهه ، كما أنهم يعدون التملق، والوشاية، والكسل عن العمل ، وسؤال الناس من مريقات ماء الوجه ، والعرب يقولون : " إذا قل ماء الوجه قل الحياء فيه " وهذا معنى الحديث الشريف " إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " ومما لا شك أن ماء الوجه يكون عبر منظومة متكاملة من القيم والمبادئ والسلوكيات ترفع من شأن الكرامة الإنسانية .
وعلى مستوى الأمة والجماعة فإن حفظ ماء الوجه يكون بوحدة كلمتها وبعدها عن سؤال واستجداء أعدائها ، وحرصها على العمل والبناء والإنتاج الذي يمكنها من المحافظة على كرامتها وهيبتها ، وإن شماتة الأعداء من أشد الأمور إيلاماً للأمة التي تعرف مكانتها .
ومما يؤسف له أن الأمة بواقعها الأليم الذي نراه قد أراقت ماء وجهها ، وقد فرطت بكرامتها ، وقد رهنت قرارها بتمكين أعدائها من نحرها ، ومما يزيد الأمر عجباً أن أجسامها تنمو وعقولها تصغر عن إدراك ما يراد لها من هوان وذل ، وهي ترقص على جراحها ، فلم تتعلم من تجارب الأيام ، ولم تسارع إلى إصلاح حالها ، فمتى ندرك أفراداً وجماعات معنى حفظ ماء الوجه وحفظ كرامتنا التي قد تستر عيوبنا التي تجاوزت كل الحدود في مجتمعات تزعم محافظتها على ماء وجهها وكرامتها ؟ ……
شاهد المزيد