آخر الأخبار

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

د. رياض شديفات يكتب : "والله يعلم المصلح من المفسد"

خطر ببالي أن أكتب هذه الخاطرة لكثرة ما يكتب في هذه الأيام عن الفساد أو وصف المخالفين للرأي أو الموقف بصفة المفسد ، ولا أقصد بهذه الخاطرة شخصا بعينه أو جماعة بعينها ، ولكن اقصد بيان الفرق بين المصلح من منظور فكري واخلاقي لتوضيح الأمر لبني قومي ، فرب كلمة تبني مجتمعا ، ورب كلمة تهدم مجتمعا ، أما الاجتهاد في الرأي والرأي الآخر ، والاختلاف في الموقف فهو وضع عادي في الحياة ناتج عن التنوع الفكري والثقافي في المجتمعات الحية ، ولا يندرج تحت مفهوم الفساد ما لم يرتب على ذلك مفسدة للعلاقة بين الناس وسلامة النسيج الاجتماعي للمجتمع . 
فالفساد من حيث المعنى ببساطة شديدة هو عكس الإصلاح والصلاح ، والمفسد هو عكس المصلح ، فالفاسد في المنظور الشرعي هو من ينحرف عن الاستقامة ، والفاسد في المنظور الأخلاقي من يسلك سبيل الاخلاق ومكارمها ويسلك طريق الرذيلة ، فالفاسد من يمشي بين الناس بالنميمة والقيل والقال ، والفاسد من يسعى لتفريق كلمة الجماعة ، والفاسد من يوقظ نار الفتنة بين الناس ، ويزرع بذورها لغاية في نفسه ، والفاسد من ينشر الإشاعة بين افراد المجتمع ، والفاسد من يوظف الكلمة السيئة في سبيل الوصول إلى مصالحه بغض النظر عن المعايير الاخلاقية والوطنية للمصلحة ، والفاسد من يزرع الأفكار المخالفة للدين والعرف والوطن ، والفاسد من يقدم مصالحه على مصالح الوطن والجماعة ، والفاسد من يدمر أخلاق المجتمع بالمخدرات . 
أما المصلح فهو من يلتزم المعايير الأخلاقية والوطنية في سلوكه ، فهو يحرص على وحدة الصف والكلمة في مجتمعه ، وهو يحافظ على سلامة النسيج الاجتماعي بتحذيره من الفتن والإشاعات ، ودعوته إلى نظافة المجتمع من الآفات الاجتماعية والأخلاقية والفكرية ، وهو من يربأ بنفسه عن مواطن الفتن ، والمصلح من يهتم بوطنه ومجتمعه بدعوته إلى الخير والكلمة الطيبة ، ويوظف وقته للعمل والبناء والعطاء والانتاج ، والمصلح من يتقن عمله في أي موقع كان ، والمصلح قد يكون جنديا يحمي الثغور ، أو رجل أمن يحافظ على النظام والممتلكات والأرواح ، والمصلح قد يكون معلما يبني القيم والاتجاهات الهادفة لدى تلاميذه ، وقد يكون وجيها يسعى للإصلاح بين الناس ، وقد يكون قاضيا يفصل بين الناس بالحق ، وقد يكون موظفا عاما يقدم الخدمة لمن يطلبها ، وقد يكون عامل نظافة يحافظ على سلامة البيئة والصحة ، وقد يكون إعلاميا يقدم المعلومة النافعة ليبني فكر المجتمع وثقافته بعيدا عن لغة التحريض والإثارة والسطحية ، وتتعدد صور المصلحين بتعدد مصالح المجتمع وحاجاته ، فحيث تكون مصلحة وراءها مصلح ، وحيث تكون مفسدة وراءها مفسد ، فمتى ندرك أن الإصلاح لا يقف عند موسم محدد ؟ ومتى ندرك إن الإفساد لا يتوقف عند صورة محددة أو مناسبات معينة ؟ .

 د . رياض خليف الشديفات / 19/7/ 2016م
شاهد المزيد
التعليقات