آخر الأخبار

الاثنين، 15 أغسطس 2016

د.رياض شديفات يكتب : الطباع البشرية

إن معرفة طبائع البشر من الأمور التي تساعد في فهم سلوكهم ، وفي كيفية التعامل معهم ، والطبع يعني : الخلقة أو الجِبلة التي جُبِل الإنسان عليها ، والطبع ما يغلب على الإنسان ، فترى فلان طبعه اللين والسماحة ، وترى فلان طبعه الخسة والنذالة ، وترى بعض الناس طبعه القسوة والشدة ، وترى بعض الناس طبعه الرحمة والتسامح ، وترى البعض طبعه الكرم ، بينما ترى البعض الآخر طبعه البخل والشح ، ولكل إنسان طبعه الذي يميزه عن غيره من الناس يعرف به .
وقد طبع الناس على طبقات شتى من حيث الانفعالات ودرجة الاتزان في المواقف المختلفة ، فترى بعض الناس لديه القدرة على الاحتمال ، وترى البعض الآخر شديد الانفعال لا يملك أعصابه ، وأنت ترى في الحياة من هو سريع الغضب سريع الرجوع عنه ، وترى من هو بطيء الغضب لكنه إذا غضب لا يرجع عن غضبه بسهولة ، وهذا الصنف قالوا عنه : " أتق غضبة الحليم إذا غضب " وكان عمر بن الخطاب يخشى حدة في أبي بكر من هذا القبيل .
وفي مجال المعاملات الحياتية ترى من الناس من طبع على دفع الحقوق إلى أصحابها ، وترى من يحسن الطلب ، وبالمقابل ترى من يسيء الطلب ويسيء التقاضي ، ومن ينظر حال الناس في المطالبة بالحقوق يرى هذه النماذج في الحياة اليومية ، وترى بعض النماذج التي تماطل في دفع الحقوق إلى أهلها حتى يقال عن بعضهم " قوم مطلٌ " أي لا يؤدون الحقوق بسهولة ، ومن الناس من يستمرىء أكل الحرام فلا يبالى في مصدره ، ويمكن تصنيف الطباع إلى طباع سليمة لما فيها من القابلية للخير وطباع سيئة لما فيها من حب للشر والسلوكيات المرفوضة لدى أصحاب الطباع السلمية.
وقد وردت بعض الإشارات في القرآن الكريم إلى هذا المعنى " طبع الله على قلوبهم " " ختم الله على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " " أم على قلوب أقفالها " وكأن هذه إشارة إلى أنه لا فائدة من النصيحة لهم لأنهم لن يستجيبوا ولن يغيروا ما هم عليه ، وحين تقسو القلوب يتحول الكثير من البشر إلى هذا الصنف من الناس الذي لا فائدة من الحديث معه ، وبحكم التربية المادية التي نعيشها في حياتنا المعاصرة أصبحنا نرى أن هذا الصنف من الناس قد كثر بصورة قتلت معها كل المعاني الإنسانية ، وتحولت حياة هذا الصنف إلى حسابات مادية تخلو تماماً من القابلية للخير أو التغيير . 
ومن المناسب القول بأن هناك سلوكيات لا يمكن أن يطبع عليها الإنسان السوي من الناحية الإيمانية لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة " ولكن الملاحظ في واقع الحياة أن هذين السلوكيين قد فشيا بصورة غير معهودة ، وقد استباح كثير من الناس الكذب والخيانة ، وتجد منهم من يبرر ذلك بصورة علنية في وسائل الإعلام ، وفي المجالس ، وفي المعاملات ، وفي العلاقات بين الدول والأفراد ، فكيف يمكن التعايش مع مثل هذه السلوكات ، وهذا الأمر انحراف خطير في حياة البشرية لا يمكن أن تستقيم معه العلاقات ، وعلى القائمين على أمر التربية والتوجيه والإعلام أن يتداركوا الأمر قبل أن يصبح سمة عامة يستحيل معها معالجة الطباع بعد فوات الأوان . 
د . رياض خليف الشديفات / المفرق / 2016م
شاهد المزيد
التعليقات