إن التربية الإسلامية جعلت من شخصية المسلم محورها الرئيس، حيث عملت على صياغتها صياغة متوازنة في الأبعاد العقلية والانفعالية والاجتماعية والإيمانية والجسدية، واستنبطت من النصوص الشرعية الطريقة التي تناول بها الوحي موضوع الانفعالات والمشاعر والعواطف الإنسانية من حب، وخوف، وغضب، وحسد، وكبر، وتواضع، إلى غير ذلك .
فأن النفس البشرية تتسم بأنها متنوعة الطبائع, مختلفة السلوك, تميل إلى الإنفعالات الإجابية تارة, وتارة اخرى للإنفعالات السلبية, وهي سائرة بين هذا الشد و الجذب, ولاكن الله تعالى خالق هذة النفس هوة أعلم بها من حيث حاجاتها وتوازنها ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ فأنزل لها الشرائع ليقتضي تطويرها, وتهذيبها بطريقة متوازنة سواء أكان هذا التوازن في الجوانب الروحية, أم الجسدية, أم العقلية, أم الإجتماعية والذي من خلاله تكون النفس البشرية مهيأة للإستقرار, الذي يجعلها قادرة على تحقيق غاية خلقها و وجودها, وهي العبادة و الخضوع لله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ .
اهتمت التربية الإسلامية على تربية انفعالات الفرد المسلم لما له أهمية كبيرة في حياتة بصفة عامة, لكون تربيتها تحقق للفرد المسلم مستوى أعلى من الصحة النفسية و الروحية, أيضا يحقق له مستوى أعلى من التوافق والتكيف الإجتماعي.
ومن هنا فإن منهج تربية الانفعالات في الإسلام “يعرف طريقه إلى النفس البشرية منذ اللمسة الأولى، ويعرف دروبها ومنحنياتها فيتسلل إليها بعطف، ويعرف مداخلها ومخارجها، ويعرف قواها ومقدرتها فلا يتجاوزها أبدا، ويعرف أشواقها وحاجاتها فيلبيها تماما، ويعرف طاقاتها الأصلية فيطلقها للعمل والبناء، ويتسم بالرفعة والسمو وهو نظام وجداني يأخذ في اعتباره فطرة هذا الإنسان بكل مقوماتها، وخصائص تكوينة وتركيبه بكل مقتضياتها” .
ومما يسهم في دفع الحزن، عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، لأن لها أثرا بالغا في تهدئة النفس، ولأن كل شيء بقضاء الله وقدره، ولا يقع شيء في الكون إلا بعلم الله وبإذنه وتقديره، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ .
وقدمت التربية الإسلامية منهجا لمواجهة الابتلاءات في الحياة، إذ يعد الابتلاء من سنن ما يلاقيه الفرد في الحياة، حيث يتطلب الأمر تجاوزها وتعزيز الأمل، من خلال تحفيز الذات لمقاومة المصاعب والتحديات، ولقد وظفت التربية الإسلامية نصوصها، حيث يثمر البلاء نتائجه من خلال الصبر الجميل، والسيطرة على النفس، وتحمل المصاعب في الحياة، لغاية تحقيق الأهداف الأخروية والأهداف الدنيوية السامية، وهذه وظيفة الابتلاء البنائية للفرد والجماعة المسلمة.
وحذرت التربية الإسلامية؛ من مغبة الانسياق للانفعالات؛ التي تؤججها الغيرة والأحقاد، لأنها تسهم في إغلاق القلب عن الاستجابة للحق، وتلغي كل محاولة للتفكير الهادئ، وتغلق كل باب للمراجعة الذاتية، وتسهم في الانسياق لأهواء النفس.
ويزخر التراث الثقافي الإسلامي بكتابات وتآليف تربوية رائدة في ميدان معالجة الانفعالات وضبطها وتوجيهها؛ فنجد الإمام العالم عبد الرحمن من قدامى المتوفي سنة 689 هـ، في كتابة “مختصر منهاج القاصدين”، قد عرض لهذا الموضوع من خلال طريقة اصطلح على تسميتها عند القدامى برياضة النفس، يقول هذا العالم:
“وقد زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة، أن الأخلاق لا يتصور تغييرها، كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر.
والجواب: أنه لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى.
ويقول في معرض كلامه عن انفعال الغضب: واعلم: ” أنه متى قويت نار الغضب والتهبت، أعمت صاحبها، وأصمته عن كل موعظة، لأن الغضب يرتفع إلى الدماغ، فيغطي على معادن الفكر، وربما تعدى إلى معادن الحس، فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه، وتسود الدنيا في وجهه، ويكون دماغه على مثال كهف أضرمت فيه نار فاسود جوه، وحمي مستقره، وامتلأ بالدخان، وكان فيه سراج ضعيف فانطفأ، فلا يثبت فيه قدم، و لا تسمع فيه كلمة، ولا ترى فيه صورة، ولا يقدر على إطفاء النار، فذلك يفعل بالقلب والدماغ، وربما زاد الغضب فقتل صاحبه” .
ويتحدث عالمنا المقدسي عن انفعالات أخرى مثل الكبر، والعجب، والغرور، والخوف، والرجاء، والحب، كما بسط الكلام عن بعض الآليات النفسية التي يحتاج إليها المسلم عند ما يريد إصلاح انفعالاته وترشيدها، مثل المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والتذكر والتفكر.
والطريق إلى تزكية النفس اعتياد الأفعال الصادرة من النفوس الزاكية الكاملة، حتى إذا صار ذلك معتادا بالتكرر مع تقارب الزمان، حدث منها هيئة للنفس راسخة تقتضي تلك الأفعال، وتتقاضاها بحيث يصير ذلك له بالعادة كالطبع فيخف عليه ما كان يستثقله من الخير؛ فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق الجود فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجواد وهو بذل المال، ولا يزال يواظب عليه حتى يتيسر عليه، فيصير بنفسه جوادا. وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع، وغلب عليه التكبر، فطريقه في المجاهدة أن يواظب على أفعال المتواضعين مواظبة دائمة على التكرر مع تقارب الأوقات.
شاهد المزيد